شرح الموطأ -269- كتاب الفرائض: باب ميراث الكَلالة

شرح فضيلة الحبيب العلامة عمر بن محمد بن حفيظ على كتاب الموطأ لإمام دار الهجرة الإمام مالك بن أنس الأصبحي، برواية الإمام يحيى بن يحيى الليثي، كتاب الفرائض، باب ميراث الكلالة.
فجر السبت 3 ربيع الأول 1443هـ.
باب مِيرَاثِ الْكَلاَلَةِ
1471 - حَدَّثَنِي يَحْيَى، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ: أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ سَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ عَنِ الْكَلاَلَةِ؟ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: "يَكْفِيكَ مِنْ ذَلِكَ الآيَةُ الَّتِي أُنْزِلَتْ فِي الصَّيْفِ، فِي آخِرَ سُورَةِ النِّسَاءِ".
1472 - قَالَ مَالِكٌ: الأَمْرُ الْمُجْتَمَعُ عَلَيْهِ عِنْدَنَا، الَّذِي لاَ اخْتِلاَفَ فِيهِ، وَالَّذِي أَدْرَكْتُ عَلَيْهِ أَهْلَ الْعِلْمِ بِبَلَدِنَا: أَنَّ الْكَلاَلَةَ عَلَى وَجْهَيْنِ، فَأَمَّا الآيَةُ الَّتِي أُنْزِلَتْ فِي أَوَّلِ سُورَةِ النِّسَاءِ، الَّتِي قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى فِيهَا: (وَإِنْ كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلاَلَةً أَوِ امْرَأَةٌ وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ فَإِنْ كَانُوا أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ فَهُمْ شُرَكَاءُ فِي الثُّلُثِ) [النساء:12] فَهَذِهِ الْكَلاَلَةُ الَّتِي لاَ يَرِثُ فِيهَا الإِخْوَةُ لِلأُمِّ حَتَّى لاَ يَكُونَ وَلَدٌ وَلاَ وَالِدٌ، وَأَمَّا الآيَةُ الَّتِي فِي آخِرِ سُورَةِ النِّسَاءِ، الَّتِي قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى فِيهَا: (يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلاَلَةِ إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ فَلَهَا نِصْفُ مَا تَرَكَ وَهُوَ يَرِثُهَا إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا وَلَدٌ فَإِنْ كَانَتَا اثْنَتَيْنِ فَلَهُمَا الثُّلُثَانِ مِمَّا تَرَكَ وَإِنْ كَانُوا إِخْوَةً رِجَالاً وَنِسَاءً فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنْثَيَيْنِ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ أَنْ تَضِلُّوا وَاللَّهُ بِكُلِّ شَىْءٍ عَلِيمٌ) [النساء:176].
قَالَ مَالِكٌ: فَهَذِهِ الْكَلاَلَةُ الَّتِي يَكُونُ فِيهَا الإِخْوَةُ عَصَبَةً، إِذَا لَمْ يَكُنْ وَلَدٌ فَيَرِثُونَ مَعَ الْجَدِّ فِي الْكَلاَلَةِ، فَالْجَدُّ يَرِثُ مَعَ الإِخْوَةِ، لأَنَّهُ أَوْلَى بِالْمِيرَاثِ مِنْهُمْ، وَذَلِكَ أَنَّهُ يَرِثُ مَعَ ذُكُورِ وَلَدِ الْمُتَوَفَّى السُّدُسَ، وَالإِخْوَةُ لاَ يَرِثُونَ مَعَ ذُكُورِ وَلَدِ الْمُتَوَفَّى شَيْئاً، وَكَيْفَ لاَ يَكُونُ كَأَحَدِهِمْ، وَهُوَ يَأْخُذُ السُّدُسَ مَعَ وَلَدِ الْمُتَوَفَّى، فَكَيْفَ لاَ يَأْخُذُ الثُّلُثَ مَعَ الإِخْوَةِ، وَبَنُو الأُمِّ يَأْخُذُونَ مَعَهُمُ الثُّلُثَ، فَالْجَدُّ هُوَ الَّذِي حَجَبَ الإِخْوَةَ لِلأُمِّ، وَمَنَعَهُمْ مَكَانُهُ الْمِيرَاثَ، فَهُوَ أَوْلَى بِالَّذِي كَانَ لَهُمْ، لأَنَّهُمْ سَقَطُوا مِنْ أَجْلِهِ، وَلَوْ أَنَّ الْجَدَّ لَمْ يَأْخُذْ ذَلِكَ الثُّلُثَ، أَخَذَهُ بَنُو الأُمِّ، فَإِنَّمَا أَخَذَ مَا لَمْ يَكُنْ يَرْجِعُ إِلَى الإِخْوَةِ لِلأَبِ، وَكَانَ الإِخْوَةُ لِلأُمِّ هُمْ أَوْلَى بِذَلِكَ الثُّلُثِ، مِنَ الإِخْوَةِ لِلأَبِ، وَكَانَ الْجَدُّ هُوَ أَوْلَى بِذَلِكَ مِنَ الإِخْوَةِ لِلأُمِّ.
نص الدرس مكتوب:
الحمد لله مُكرمنا بشريعته، وبيانها على لسان خير بريته سيدنا محمد صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحابته وعلى أهل ولائه ومتابعته، وعلى آبائه وإخوانهِ من الأنبياء والمرسلين خيرة الله وصفوته، وعلى آلهم وصحبهم وتابعيهم، والملائكة المقربين، وعباد الله الصالحين وعلينا معهم وفيهم بفضلهِ ورحمته.
وبعدُ،
يواصل الإمام مالك الأبواب المتعلقة بالفرائض والمواريث، وذكر لنا: "باب مِيرَاثِ الْكَلاَلَةِ".
-
والكلالة: اسمٌ للميت إذا مات ولم يكن له ابن ولا أب، فإذا لم يكن له أصل ولا فرع موجود فهو الكلالة، وعلى هذا قول عامة الصحابة والتابعين.
-
وقيل الكلالة: هم الورثة الذين ليس بينهم في إرث الميت أبٌ للميت، ولا ابن للميت.
-
وقيل أن الكلالة: هي اسم للميراث، أي وراثة الكلالة، فَيرثوا إذا لم يكن للميت أبٌ ولا أم فورثته يرثون وراثةً تسمى الكلالة.
الكلالة؛ علمنا ما عليه جماهير الصحابة والعلماء: أنه هو الميت الذي لم يخلّف ابنًا ولا والدًا. قال سيدنا أبو بكر الصديق: من لم يرثه أب ولا ابن، كما جاء في رواية أبي شيبة، وهكذا يقول أبو ميسرة: ما رأيتهم إلا تواطئوا على ذلك، كما جاء عند ابن عبد الرزاق بسند صحيح.
قال: "باب مِيرَاثِ الْكَلاَلَةِ"، "حَدَّثَنِي يَحْيَى، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ: أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ سَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ عَنِ الْكَلاَلَةِ؟"؛ يعني: إما عن تفسيرها، أو حكمها، أو حكمهم في الميراث، أو من يستحق هذا الاسم. " فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: يَكْفِيكَ مِنْ ذَلِكَ الآيَةُ الَّتِي أُنْزِلَتْ فِي الصَّيْفِ، فِي آخِرَ سُورَةِ النِّسَاءِ"؛ أي: فيها البيان من الحق -تبارك وتعالى- وقد أنزل الله في الكلالة آيتين كلاهما في سورة النساء.
-
الآية الأولى بيّن فيها إرث الإخوة من الأم قال تبارك وتعالى: (وَإِن كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلَالَةً أَوِ امْرَأَةٌ وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا السُّدُسُ) [النساء:12]، هؤلاء الإخوة من الأم وعلى ذلك أجمعوا أنه المراد بهم الإخوة من الأم، لا الإخوة الأشقاء، ولا الإخوة من الأب، ولكن الإخوة من الأم؛
-
فلكل واحد منهما السدس إذا انفرد أخ فقط أو أخت فقط
-
فإن كانوا أكثر من ذلك أخ وأخت أو أخوان أو أختان فهم شركاء في الثلث، يُقسم بينهم بالسويّة.
-
كما تقدم معنا في إرث الإخوان للأم؛ إن لم يُحجب فالواحد منهم له السدس، وإن كانوا أكثر من واحد فهم شركاء في الثلث، يقتسمونه بينهم بالسوية؛ ذكرهم كأُنثاهم.
-
والآية الثانية في آخر سورة النساء قال تعالى: (يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلَالَةِ ۚ إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ فَلَهَا نِصْفُ مَا تَرَكَ ۚ وَهُوَ يَرِثُهَا إِن لَّمْ يَكُن لَّهَا وَلَدٌ)، هنا أخت من الأب أو شقيقة، والآية الأولى أخ من الأم، وفي هذه الآية الإخوة الأشقاء أو الإخوة لأب فهما اثنان (فَإِن كَانَتَا اثْنَتَيْنِ فَلَهُمَا الثُّلُثَانِ مِمَّا تَرَكَ ۚ وَإِن كَانُوا إِخْوَةً رِّجَالًا وَنِسَاءً فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنثَيَيْنِ ۗ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ أَن تَضِلُّوا ۗ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ)[النساء:176]،هذه الآية التي في آخر سورة النساء في الكلالة، وفيها بيان إرث الإخوة من الأب أو من الأشقاء.
وجاء في رواية الإمام مسلم: يقول سيدنا عمر: "ما راجعت رسول الله ﷺ في شيء ما راجعته في الكلالة، وما أغلظ لي في شيء ما أغلظ لي فيه، حتى طعن بإصبعه في صدري، وقال: يا عمر ألا تكفيك آية الصيف التي في آخر سورة النساء"، نزلت في أيام الصيف وكان نزلت: (يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلَالَةِ)[النساء:176] في سيدنا جابر بن عبدالله -رضي الله عنه- فيما جاء أنه قال:"مَرِضْتُ مَرَضًا، فأتَانِي النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يَعُودُنِي وأَبُو بَكْرٍ وهُما مَاشِيَانِ، فَوَجَدَانِي أُغْمِيَ عَلَيَّ، فَتَوَضَّأَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، ثُمَّ صَبَّ وَضُوءَهُ عَلَيَّ، فأفَقْتُ فَإِذَا النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فَقُلتُ: يا رَسولَ اللَّهِ، كيفَ أصْنَعُ في مَالِي؟" فنزلت آية الميراث (يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلَالَةِ)، وكان قد توفي أبوه في غزوة أحد، ولم يكن له في ذاك الوقت أحد من الولد، سيدنا جابر بن عبدالله -رضي الله تعالى عنه-، فنزلت فيه الآية وهي عامة حكمها لكل من حصل له ذلك الوصف.
ويقول: "الأَمْرُ الْمُجْتَمَعُ عَلَيْهِ عِنْدَنَا، الَّذِي لاَ اخْتِلاَفَ فِيهِ، وَالَّذِي أَدْرَكْتُ عَلَيْهِ أَهْلَ الْعِلْمِ بِبَلَدِنَا"؛ يعني: المدينة المنورة، زادها الله شرفا وكرامة، "أَنَّ الْكَلاَلَةَ عَلَى وَجْهَيْنِ"؛ على وجهين يعني: إما إخوة لأم، أو إخوة لأب أو أشقاء، فَأَمَّا الآيَةُ الَّتِي أُنْزِلَتْ فِي أَوَّلِ سُورَةِ النِّسَاءِ، الَّتِي قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى فِيهَا: (وَإِنْ كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلاَلَةً أَوِ امْرَأَةٌ وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ فَإِنْ كَانُوا أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ فَهُمْ شُرَكَاءُ فِي الثُّلُثِ) [النساء:12] فَهَذِهِ الْكَلاَلَةُ الَّتِي لاَ يَرِثُ فِيهَا الإِخْوَةُ لِلأُمِّ حَتَّى لاَ يَكُونَ وَلَدٌ وَلاَ وَالِدٌ"، فإن الإخوة لأم يحجبهم الولد والوالد؛ أصلٌ ذكر، أو فرع وارث، فإن كان الميت عندما مات خلّف أبًا أو جدًّا فلا شيء للإخوة للأم، أصل ذكر؛ أب أو جد، أو فرع وارث؛ ابن أو بنت أو ابن ابن أو بنت ابن؛ فلا يرث الإخوة من الأم شيء.
الإخوة للأم يُحجَبون إن كان الميت خلّف:
-
أصل ذكر؛ أب أو جد.
-
أو فرع وارث؛ ابن أو بنت أو ابن ابن أو بنت ابن وإن سفل.
فهذا فرع وارث أو أصل ذكر يحجبون الإخوة من الأم فلا يرثون فإن لم يكن للميت فرع وارث ولا أصل ذكر فيرث الإخوة للأم، ولهذا قال: لا يرث فيها الإخوة للأم حتى لا يكون ولدٌ ولا والد هذه الآية الأولى.
وَأَمَّا الآيَةُ الَّتِي فِي آخِرِ سُورَةِ النِّسَاءِ، الَّتِي قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى فِيهَا: (يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلاَلَةِ إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ فَلَهَا نِصْفُ مَا تَرَكَ وَهُوَ يَرِثُهَا إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا وَلَدٌ فَإِنْ كَانَتَا اثْنَتَيْنِ فَلَهُمَا الثُّلُثَانِ مِمَّا تَرَكَ وَإِنْ كَانُوا إِخْوَةً رِجَالاً وَنِسَاءً فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنْثَيَيْنِ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ أَنْ تَضِلُّوا وَاللَّهُ بِكُلِّ شَىْءٍ عَلِيمٌ) [النساء:176].
"قَالَ مَالِكٌ: فَهَذِهِ الْكَلاَلَةُ الَّتِي يَكُونُ فِيهَا الإِخْوَةُ عَصَبَةً، إِذَا لَمْ يَكُنْ وَلَدٌ فَيَرِثُونَ مَعَ الْجَدِّ فِي الْكَلاَلَةِ"، وهو كما هو مذهب الجمهور أن الإخوة للأب والأم يرثون مع الجد، بخلاف الإخوة من الأم لا يرثون مع الجد -أصل ذكر يحجبهم- أما الإخوة الأشقاء والإخوة لأب يرثون مع الجد عند الجمهور، وقد علمنا في ما تقدم أن مذهب الإمام أبي حنيفة يجعل الجد مثل الأب فيحجبهم.
والإمام مالك قال: لا، كما هو عليه جمهور أهل العلم أنه: " فَالْجَدُّ يَرِثُ مَعَ الإِخْوَةِ، لأَنَّهُ أَوْلَى بِالْمِيرَاثِ مِنْهُمْ، وَذَلِكَ أَنَّهُ يَرِثُ مَعَ ذُكُورِ وَلَدِ الْمُتَوَفَّى"، فإذا الميت خلّف أحدا من الذكور فولَد ابن، أو ابن ابن فإن الإخوة ما يرثون شيء، وأما الجد يرث وإن كان مع الميت ابن فلهذا قال: ما يتأتى أن يكون حظ الإخوة مقدّم على الجد، الجد يرث حتى وإن كان مع الميت ابن، "أَنَّهُ يَرِثُ مَعَ ذُكُورِ وَلَدِ الْمُتَوَفَّى السُّدُسَ، وَالإِخْوَةُ لاَ يَرِثُونَ مَعَ ذُكُورِ وَلَدِ الْمُتَوَفَّى شَيْئاً، وَكَيْفَ لاَ يَكُونُ كَأَحَدِهِمْ، وَهُوَ يَأْخُذُ السُّدُسَ مَعَ وَلَدِ الْمُتَوَفَّى، فَكَيْفَ لاَ يَأْخُذُ الثُّلُثَ مَعَ الإِخْوَةِ،"وهذا أيضًا مذهب مالك. ولكن عند غيره: لا، في هذه المسألة ما يأخذ الثلث وإنما يأخذ السدس، وسدس يبقى عصبة للإخوة من الأب والأم -الإخوة الأشقاء- أو الإخوة لأب.
"فَكَيْفَ لاَ يَأْخُذُ الثُّلُثَ مَعَ الإِخْوَةِ، وَبَنُو الأُمِّ يَأْخُذُونَ مَعَهُمُ الثُّلُثَ وَبَنُو الأُمِّ يَأْخُذُونَ مَعَهُمُ الثُّلُثَ" يعني إذا لم يكن للميت فرع وارث ولا أصل ذكر، فالإخوة لأم يرثون الثلث،"فَالْجَدُّ هُوَ الَّذِي حَجَبَ الإِخْوَةَ لِلأُمِّ، وَمَنَعَهُمْ مَكَانُهُ الْمِيرَاثَ"، ما صار لهم الثلث "فَهُوَ أَوْلَى بِالَّذِي كَانَ لَهُمْ"؛ يعني: الثلث، "لأَنَّهُمْ سَقَطُوا مِنْ أَجْلِهِ" وهذا خالف فيه الإمام مالك زيد بن ثابت، فإنه عنده أن الجد له السدس، وأن الإخوة للأب أو الأشقاء يرثون السدس الباقي عصبةً بينهم للذكر مثل حظ الأنثيين.
قال: "فَهُوَ أَوْلَى بِالَّذِي كَانَ لَهُمْ" وهو الثلث، يقصد "لأَنَّهُمْ سَقَطُوا مِنْ أَجْلِهِ، وَلَوْ أَنَّ الْجَدَّ لَمْ يَأْخُذْ ذَلِكَ الثُّلُثَ، أَخَذَهُ بَنُو الأُمِّ" لو لم يكن في المسألة جد، " فَإِنَّمَا أَخَذَ مَا لَمْ يَكُنْ يَرْجِعُ إِلَى الإِخْوَةِ لِلأَبِ، وَكَانَ الإِخْوَةُ لِلأُمِّ هُمْ أَوْلَى بِذَلِكَ الثُّلُثِ، مِنَ الإِخْوَةِ لِلأَبِ"، في مسألة:
-
إذا مات وخلّف جَدًّا وإخوة للأم وإخوة للأب أو إخوة أشقاء،
-
إذا خلّف الميت ابنتان فأكثر لهما الثلثان.
-
والجد عندئذ يُفرض له السدس
-
وأما الإخوة لأم فلا يرثون مع وجود البنات
ولكن إذا لم يكن بنات ولم يبقَ من التركة إلا ثُلث وليس للميت أصل ذكر ولا فرع وارث فإن الثلث يذهب للإخوة للأم، والإخوة للأم حُجبوا بالجد، قال الإمام مالك: فهو أحق بالثلث، ولو أن الجد لم يأخذ ذلك الثلث أخذه بنو الأم فإنه إذا لم يبقَ إلا الثلث فهم أحق به أو يُفرض لهم، وحينئذ لا يرث الإخوة من الأب شيء؛ لأن التركة استغرقت، فبقي الثلث للإخوة للأم فرضًا، وما بقي للإخوة من الأب شيء.
قال: "وَكَانَ الإِخْوَةُ لِلأُمِّ هُمْ أَوْلَى بِذَلِكَ الثُّلُثِ"، من الأخوة لأب، "وَكَانَ الْجَدُّ هُوَ أَوْلَى بِذَلِكَ مِنَ الإِخْوَةِ لِلأُمِّ"؛ فهذا محصّل مذهب الإمام مالك.
وعلمنا أن مذهب الإمام زيد وعليه مذهب الإمام الشافعي أن في هذه المسألة إذا مات الميت وخلّف بنات وجَدًّا وإخوة أشقاء أو لأب فحينئذٍ نعطي:
-
البنات الثلثين
-
ونعطي الجد السدس
-
والسدس الباقي عصبة للأخوة الأشقاء أو الإخوة لأب
هذه المسألة لا يرث فيها الإخوة لأم؛ لأنه موجودٌ للميت فرع وارث.
فقهنا الله في الدين، ورزقنا المتابعة للنبيّ الأمين، ونقّانا عن الشوائب، ورفعنا عليّ المراتب وسقانا من أحلى المشارب، وأثبتنا في عباده الصادقين المخلَصين الأطايب، وفرّج كروبنا والمسلمين في المشارق والمغارب، وحوّل الأحوال لأحسنها بسر الفاتحة إلى حضرة النبي محمد ﷺ.
04 ربيع الأول 1443